أين ينتهي الحيوان .. ويبدأ الإنسان؟ ▪ فريدريك نيتشه

 


أين ينتهي الحيوان .. ويبدأ الإنسان؟


فريدريك نيتشه


يشعر الناس الأكثر عاطفة على مدى الأزمنة بعطف تجاه الحيوانات ، لأنها تعاني من الحياة و مع ذلك لا تمتلك القدرة على توجيه شوكة المعاناة نحو نفسها و تفهم وجودها ميتافيزيقياً ، في الواقع أنه أمر مُثبط بعمق للهمة ! أن نرى هذه المعاناة التي لا معنى لها . 

و لهذا ظهرت في أماكن عديدة من الارض فرضية تقول : إنّ أرواح البشر المثقلة بالإثم تسكُن في أجساد هذه الحيوانات ، بحيث تكتسب هذه المعاناة الخرقاء التي تثير من أول نظرة الحفيظة معنى و أهمية كعقاب و كفارة أمام العدل الإلهي . 

إنه حقاً عقاب شديد أن تعيش كحيوان على هذا النحو محكوماً بالجوع و الشهوة ولا تكون قادراً على أي نوع من التفكير بطبيعة الحياة . 

لا يمكن تصور مصيراً أصعب من مصير الحيوان البري الذي تطارده خلال البرية أقصى العذابات المضنية ، و إذا ماشبع في النادر فإن نفس هذا الشبع سيتحول إلى ألم في الصراع القاتل مع حيوانات أخرى أو من خلال الشره المفرط و التخمة المقرفة . 

أن تكون حيواناً هو أن تتشبث بالحياة بصورة مجنونة و عمياء من أجل الحياة فحسب ! 

دون أيّة فكرة عن أن المرء يُعاقب ، و لماذا يُعاقب و أن يتوق بغباء الشهوة المرعبة إلى هذا العقاب كما لو أنه كان السعادة بذاتها ، مع ذلك علينا أن نتأمل ! 

أين ينتهي الحيوان ، و أين يبدأ الإنسان ؟


طالما يتوق الإنسان إلى الحياة كما يتوق إلى السعادة فإنه لا يزال لم يرفع عينيه إلى أعلى من أُفق الحيوان لأن الإنسان يتوق بوعي أكبر فحسب الى مايسعى اليه الحيوان بغريزته العمياء 

و هذا هو مانفعله جميعنا في الجزء الأعظم من حياتنا . 

لا نتحرر عادةً من البهيمية فنحن انفسنا هذه الحيوانات التي يبدو ان حياتها تتكون من عذاب لا معنى له . 

لكن هناك لحظات حينما نفهم هذا فتتفرق الغيوم و نرى أننا و بالأشتراك مع كل الطبيعة نندفع قُدماً نحو الإنسان مثلما نحو شيء موجود أعلى منا . 

في مثل هذا الصفاء المباغت نحدق حولنا و خلفنا مرتعبين ! 

ثمة حيوانات برية رشيقة تمشي هناك و نحن وسطها .. نشاط البشر الضخم في صحراء الأرض الكبيرة ، تأسيسهم للمدن و الدول ، الحروب التي شنوها ، تجمعهم و تفرقهم ثانية ، اندماجهم المشوش ، التقليد المتبادل ، أعمالهم الوحشية و خدعهم المتبادلة ، احتجاجاتهم ، صرخاتهم من الفرح في ساعات الإنتصار . 

كل هذا هو استمرار للبهيمية ! 

كما لو أن الإنسان سيجبر للعودة عمداً إلى مرحلة مبكرة من تطوره و يخضع لنزعته الميتافيزيقية ..



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أعدائي - محمود عدوان قرأة ممتعة

كيف اصبحت غبيا نبذه مختصره قبل تحميل الكتاب pdf